عام على "الغزوة الشراعية"- أوهام الصراع وخيبات التقدير.

المؤلف: عبدالرحمن الطريري11.17.2025
عام على "الغزوة الشراعية"- أوهام الصراع وخيبات التقدير.

يتزامن صدور هذا المقال مع مرور عام على عملية "طوفان الأقصى"، تلك المبادرة التي قادها السنوار ورفاقه، ويبقى السؤال مطروحاً: هل بعد عام على هذا "النصر الإعلامي"، يتردد صدى عبارة "لو كنت أعلم" التي قالها نصر الله بعد حربه مع إسرائيل، حين عبّر عن ندمه؟ من المؤكد أن الشعور بالإحباط الذي يعتريه في خندقه المحصّن لا يقتصر على استشهاد هنية، والعمليات التي ألحقت خسائر فادحة بنصر الله وكبار قادة حزب الله، بل يمتد ليشمل مقتل وزير الأمن في المكتب السياسي لحماس، سامح السراج، وقائد جهاز الأمن العام للحركة، سامي عودة، إضافة إلى الذراع اليمنى له، روحي مشتهى، رئيس حكومة حماس في غزة.

غالباً ما يكون الإحباط نابعاً من سوء التقدير وخيبة الأمل في التوقعات، سواء كانت هذه الخيبات متعلقة بمحور معيّن وتصوّرات الدعم وتوحيد الجبهات، أو بقدرة هذا المحور على مجابهة العدو المشترك. أما سوء التقديرات، فينشأ عن عدم إدراك ردود الفعل المحتملة. وهنا، لا يسعني إلا أن أتساءل عن التحليلات المنطقية – إن وجدت – التي درست بعمق ردود الفعل المتوقعة من إسرائيل، أو حتى الدعم المتوقّع من الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام بعد السابع من أكتوبر.

دعونا نغوص قليلاً في أوهام المنطقة، ومن جميع أطراف الصراع. لقد عبّرت حماس ومحورها عن تخوّف إسرائيل من التوغل البري، والتحديات التي يفرضها مقاتلو حماس، ممّا سيحول دون أن تكون العملية نزهة ممتعة للجيش الإسرائيلي. ولكن، بعد مرور أشهر، تبيّن أن فهم إسرائيل للواقع، والمعلومات التي جمعتها، مكّنتها من الوصول إلى محور فيلادلفيا بأقل قدر من الخسائر.

من جهة أخرى، يبدو أن إسرائيل اعتقدت أنها باغتيال نصر الله أو فؤاد شكر وغيرهما، ستتمكن من قطع رأس "الأفعى"، وبالتالي تسهيل عملية التوغل البري في جنوب لبنان. ولكن، حتى مع كل الضربات الموجعة التي طالت الضاحية الجنوبية والبقاع وباقي المناطق، لا يزال التوغل البري أمراً صعباً، وهو ما يشير إلى صلابة البنية الهيكلية لحزب الله، وكفاءة تدريبه، حتى في حال انقطعت الاتصالات بين القيادة المركزية والجبهة الجنوبية.

من جانب آخر، كان التدخل الأمريكي المباشر في الضربات على الحوثيين أمراً لافتاً للنظر، في حين أنكر البريطانيون مشاركتهم في هذه العملية، تماشياً مع القاعدة الصحفية المعروفة "نفي النفي إثبات". هذا مثال آخر يؤكد أن المحرّك الأساسي هو المصالح وليس القيم والأخلاق. فما كان ممنوعاً على التحالف العربي بحجة أن الميناء يمثل المنفذ الوحيد لدخول المساعدات من الأمم المتحدة، أصبح مباحاً للدفاع عن إسرائيل، ومن الجدير بالذكر أن إدارة بايدن، في بداية عهدها، رفعت الحوثيين من قوائم الإرهاب.

أما الوهم الأكبر، فهو غياب أي تصور واضح لليوم التالي للحرب، فضلاً عن التطوّرات المحتملة على المديين المتوسط والطويل لبيئتي حزب الله وحماس، سواء بقيتا الحركتان قائمتين أو اضطرت الحاضنات الشعبية إلى إيجاد بديل لهما، خاصة في ظل الغياب الصارخ للدولة في لبنان، والانقسامات الداخلية العميقة في فلسطين.

في الختام، من الأهمية بمكان أن نحذر كمحللين من الوقوع في فخ الأوهام، والادعاء بأننا قادرون على تقدير التأثيرات المترتبة على الحرب، ليس فقط على مناطق النزاع، بل على المنطقة بأسرها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة